بحث في تفسير الأوراق التجارية الخاضعة للتقادم
الخمسي
مجلة المحاماة - العدد الأول
السنة التاسعة عشرة - 1938 - 1939
بحث في تفسير الأوراق التجارية الخاضعة للتقادم الخمسي
1 - يشمل الفصل الثامن من الباب الثاني من القانون التجاري الأهلي مادة واحدة هي المادة (194) التي تنص على أن:
(كل دعوى متعلقة بالكمبيالات أو بالسندات التي تحت إذن وتعتبر عملاً تجاريًا أو بالسندات التي لحاملها أو بالأوراق المتضمنة أمرًا بالدفع أو بالحوالات الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع عليها وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية يسقط الحق في إقامتها بمضي خمس سنين اعتبارًا من اليوم التالي ليوم حلول ميعاد الدفع أو من يوم عمل البروتستو أو من يوم آخر مرافعة بالمحكمة إن لم يكن صدر حكم أو لم يحصل اعتراف بالدين بسند منفرد، وإنما على المدعى عليهم تأييد براءة ذمتهم بحلفهم اليمين على أنه لم يكن في ذمتهم شيء من الدين إذا دعوا للحلف وعلى من يقوم مقامهم أو ورثتهم أن يحلفوا يمينًا على أنهم معتقدون حقيقة أنه لم يبقَ شيء مستحق من الدين).
2 - والنقطة التي أريد معالجتها في هذا البحث هي مدى الأوراق التجارية التي تخضع لهذا التقادم الخمسي، وبألفاظ أخرى نريد أن نعرف المراد بعبارة (الأوراق المحررة لأعمال تجارية)، وهل هذا المصطلح يتناول كل ورقة بالمعنى اللغوي أو هو يقف عند أوراق معينة لها خصائص قانونية لا تشاركها فيها سائر الأوراق التجارية بالمعنى اللغوي الواسع ؟ وتوضيحًا لنقطة البحث نسوق هذا المثال، فاتورة بضاعة اشتراها تاجر من تاجر للاتجار بها ومضى على آخر تاريخ مبين بها ست سنين، أقام الدائن دعوى على المدين مطالبة برصيد الفاتورة، ودفع المدين الدعوى بالتقادم الخمسي، هل يقبل دفعه أو يرفض ؟
سوف أحاول الإجابة عن هذا السؤال، أو علاج هذا الموضوع بالترتيب الآتي:
( أ ) رأي القضاء المختلط.
(ب) رأي القضاء الأهلي قبل محكمة النقض.
(ج) رأي القضاء الأهلي بعد محكمة النقض.
(د) موقف الفقه المصري.
(هـ) موقف القانون الفرنسي.
(ز) عيب المادتين المصريتين (194) و(201) ورأيي في تعديلهما.
( أ ) القضاء المختلط
إذا استعرضنا أحكام المحاكم المختلطة وجدنا أكثرها - أو إجماعها تقريبًا - على تضييق نطاق الورقة التجارية التي يسري عليها التقادم الخمسي وقصره على ما تنتقل ملكيته بالتظهير أو التسليم.
والتقادم الخمسي لا ينطبق إلا على الكمبيالات والأوراق التجارية التي لا يعتبر منها التزام استحقاقاته مقسطة [(1)].
(محكمة استئناف المختلطة - 14 - 11 - 1889 - مجموعة التشريع 1 - ص 321).
والفاتورة التي وقعها تاجر ولكن ملكيتها لا تنتقل بالتظهير؛ هذه الفاتورة لا تكون - حتى عندما يكون موعد الدفع معينًا بها - أكثر من التزام تجاري لا ينطبق عليه التقادم المبين في المادة (201) [(2)] (أي التقادم الخمسي).
(محكمة الاستئناف المختلطة - 16 يونيو 1920 - مجموعة التشريع 32 - صـ 356).
والمادة (201) لا تسري على سند تستحق قيمته على أقساط لأن مثل هذا السند لا يمكن اعتداده سندًا إذنيًا منظمًا (محكمة الاستئناف المختلطة في 6 ديسمبر 1927 - مجموعة التشريع س 40 - صـ 66). [(3)]
والسند الإذني المنظم الذي يحرره المفلس لدائنيه بعد وفاء لديونهم قبل الإفلاس لا يسقط إلا بمضي خمسة عشر عامًا.
(محكمة الاستئناف المختلطة في 22 مارس 1893 - مجموعة التشريع س 5 صـ 182).
ولكني وقفت على حكمين قديمين ذهبا إلى عكس الرأي الذي أطردت به الأحكام المتقدمة.
فالحكم الأول يقرر أن (التقادم الخمسي ينطبق على كل ورقة تجارية مهما يكن شكلها وليس مقصورًا على الكمبيالات والسندات الإذنية).
(محكمة الاستئناف في 23 - 1 - 1890 - مجموعة التشريع س 2 صـ 228).
على أنا نلاحظ أن هذا الحكم قد عبر عن الورقة التجارية بتعبير Effets de commerce ، ومن هنا يمكن اعتبار هذا الحكم متفقًا مع الرأي الغالب.
أما الحكم الثاني فقد عرض للأوراق التجارية غير المنظمة Effect de commerce irréguliers وقال إنها خاضعة للتقادم الخمسي (22 نوفمبر 1916 - مجموعة التشريع س 29 صـ60). [(4)]
وهذا الحكم أيضًا - ولو أنه يعارض الأحكام التي أخرجت السندات غير المنظمة كالمقسطة الاستحقاق من التقادم الخمسي - وقف عند (الورقة التجارية) بالمعنى القانوني الضيق لا المعنى اللغوي الواسع والفاتورة التجارية مثلاً ليست effet de commerce ابتداءً حتى يمكن اعتبارها effet de commerce irrégulier، ونتيجة ذلك أنها تظل خاضعة للتقادم الطويل - أي تقادم الخمسة عشر عامًا - حتى في رأي هذا الحكم الأخير.
(ب) القضاء الأهلي قبل النقض
ذهبت جميع الأحكام الأهلية المنشورة التي اطلعت عليها إلى قصر التقادم الخمسي على الكمبيالات والسندات الإذنية والشيكات لأن هذه هي المرادة بتعبير الورقة التجارية effet de commerce فالأحكام الجزئية ترى (أن الأوراق التي تسقط بمضي خمس سنوات هي الأوراق التجارية التي تنتقل ملكيتها بالتحويل وهي الكمبيالات والسندات تحت الإذن والشيكات وأما ما سواها فلا تنطبق عليه هذه المادة (194 ت) دمياط في 10 مارس سنة 1932 المحاماة س 13 صـ 339.
وكذلك طنطا في 8 يناير سنة 1930 (ملحق مرجع القضاء صـ 1441 ن 5575)، والموسكي في 29 مايو سنة 1938.[(5)]
والأحكام الكلية تذهب إلى عين الرأي (بني سويف - استئناف جزئي 25 يونيو سنة 1928 (ملحق مرجع القضاء صـ 1441 ن 5580).
ومحكمة استئناف القاهرة العليا تعرض لهذا الأمر عرضًا مفصلاً وتقرر أن: (الأوراق التجارية المعبرة عنها بالاصطلاح الفرنسي effets de commerce، والتي يسقط الحق في رفع الدعوى بها بمضي خمس سنين من اليوم التالي ليوم حلول دفعها هي الأوراق التي يتداولها التجار فيما بينهم كما يتداولون أوراق النقد وتقوم مقام الدفع النقدي في المعاملات التجارية فلا يدخل فيها كل ورقة تجارية أخرى تثبت دينًا لتاجر على تاجر كالفواتير التي يشتري بها التاجر بضاعة من زميله التاجر). (المحاماة س 14 صـ692).
(ج) النقض الأهلي
وقد سنحت لمحكمة النقض والإبرام فرصة الفصل في هذه النقطة عندما طعن أمامها في حكم محكمة الاستئناف المشار إليه في الفقرة السابقة وجاء رأي النقض مؤيدًا لرأي الاستئناف ولرأي القضاء الأهلي عامة وإليكم بعض أسباب حكم النقض:
(ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد نص المادة (194) من قانون التجارة وتساءل عن المراد من قول الشارع فيها (والأوراق المحررة لأعمال تجارية)، ورجع إلى ترجمة هذه العبارة في الطبعة الفرنسية للقانون التجاري وإلى أصلها في القانون المختلط والقانون الفرنسي، أجاب بأن المراد بهذه العبارة الأوراق التي يتداولها التجار فيما بينهم تداول أوراق النقد خلفًا عن الدفع النقدي في معاملاتهم التجارية واعتبر المعنى الجامع فيها أنها تتضمن دفع مبلغ معين من النقود في أجل معين ويمكن نقل ملكيتها من إنسان لآخر بتظهيرها أو بمجرد تسليمها بغير حاجة إلى إجراء آخر يعطل تداولها أو يجعله متعذرًا ولذلك منع الأوراق التي لا تنتقل الحقوق الثابتة بها بمجرد التظهير والسندات التي يكون الدين الثابت بها مقسطًا والسندات التي تتصل بأمور أخرى بعيدة عن مجرد ثبوت الدين بذمة المدين وميعاد دفعه كتعليق حلول أجل السداد على أمر خارجي غير مضي ميعاد الاستحقاق وكالتزام المدين بأداء عمل معين لشخص دائنه مع تعهده بسداد الدين - منع هذه الأوراق من أن تعتبر من (الأوراق المحررة لأعمال تجارية).
(وحيث إن الحكم المطعون فيه فيما أخذ به من تفسير المادة (194)، وفيما أجراه من عدم الأخذ بحكمها في موضوع الدعوى لم يُخالف القانون ولم يخطئ في تطبيقه).
(20 ديسمبر سنة 1934 - المحاماة س 15 صـ 183).
(د) الفقه المصري
لم يعرض الفقه المصري، فيما أعلم، لهذه النقطة وغاية ما وقفت عليه أن مؤلف كتاب التقادم في القانون المدني قد أشار إلى بعض الأحكام الأهلية الجزئية التي أشرنا إليها دون أن يعقب عليها باعتراض أو تحبيذ أو يذكر أن حول هذا الموضوع خلافًا.
كذلك راجعت المؤلف الجديد الذي وضعه بالفرنسية الدكتور محمد كامل أمين ملش بالاشتراك مع العالم الفرنسي (فاهل) عن (القانون التجاري المصري المختلط والأهلي علمًا وعملاً) فوجدت أن المؤلفين قد أجملا تصوير موقف القانون المصري من مدة التقادم التجاري بقولهما:
(إن مدة التقادم هي - بوجه عام - خمسة عشر عامًا سواء من القانون التجاري أو المدني)
(صـ 137 فقرة 229 - من المرجع المشار إليه).[(6)]
ولو كانت كل ورقة تجارية - بالمعنى الواسع الذي ينتظم الفاتورة والدفتر والخطاب إلخ - يسقط بخمس سنين لكان الأستاذان مخطئين خطأ كبيرًا في قولهما إن مدة التقادم في مصر هي خمسة عشر عامًا في القانونين التجاري والمدني، ولكان واجبًا أن يقولا (إن مدة التقادم في المدني هي بوجه عام 15 سنة ولكنها في التجاري خمس سنين بوجه عام).
(هـ) الفقه الفرنسي
ومع أن مدة التقادم العادي في فرنسا ثلاثون عامًا لا خمسة عشر فقط، ومع أنه لا نزاع في أن دعاوى الكمبيالات تسقط بالتقادم القصير في مصر وفرنسا، فإنا نرى الأستاذين ليون كان، ورينو يفسران مادة السقوط القصير تفسيرًا ضيقًا حتى ليقرران صراحةً أن بعض الدعاوى المتعلقة بالكمبيالات لا تسقط بالتقادم القصير وإنما تسقط بثلاثين عامًا وضربا مثلاً لذلك دعوى حامل الكمبيالة ضد البنك الذي حولها إليه - أي إلى البنك - لتحصيلها ودعوى من أقرض المسحوب عليه قيمة الكمبيالة لسدادها التي يرفعها استيفاءً لهذا القرض ضد المسحوب عليه.
أما تفسير (الورقة التجارية) أي معالجة هذا الموضوع الذي نعرض له فلم يتناوله الأستاذان.
(ز) صياغة المادة (194)
اكتب هذا البحث بعد تأليف هيئة لتعديل القانون التجاري، فمن الواجب أن أشير إلى ما في صياغة المادة (194 ت. أ) من عيب فإن قولها: (كل دعوى متعلقة بالكمبيالات أو بالسندات التي تحت إذن وتعتبر عملاً تجاريًا أو بالسندات التي لحاملها أو بالأوراق المتضمنة أمرًا بالدفع أو بالحوالات الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع عليها)، ثم إرداف ذلك بقولها: وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية) - من شأنه إحداث لبس بل من شأنه الإغراء بإجراء حكم المادة على أوراق أخرى مستعملة في الشؤون التجارية مثل الفاتورة وإلا فما معنى قول المشرع (وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية) بعد إذ أحصى الكمبيالات والسندات بنوعيها (إذنية ولحاملها) والشيكات ؟ وإذا كان من القواعد المنطقية أن إعمال الكلام خير من إهماله، فإلى أي نتيجة يؤدي بنا إعمال هذه الإضافة الأخيرة ؟
والأصل الفرنسي يشترك - لسوء الحظ - مع هذه الترجمة في هذا الخطأ أو الفضول المضلل ولكن المادة المختلطة المقابلة، وهي المادة (201) بريئة من هذا العيب ولكنها ليست خالية من عيب آخر فهي تقول:
(Toutes actions relatives aux lettres de change et aux effets de commerce souscrits par des négociants marchands ou banquiers, ou pour faits de commerce, se prescrivent par cinq ans).
فهذه المادة تذكر (الكمبيالات والأوراق التجارية الموقعة من تجار أو لأعمال تجارية) فهي لم تسقط سقطة المادة الأهلية ولكنها يؤخذ عليها نصها على الكمبيالات ثم ذكرها اصطلاحًا أعم وهو الأوراق التجارية وكان أولى بها أن تحصي الأوراق التجارية إحصاءً دقيقًا، أما موقفها الحالي فيمكن تفسيره بأنها ذكرت الكمبيالات ثم قصدت بالأوراق التجارية السندات والشيكات.
وما دام القانون التجاري، أو القانونان التجاريان، في طريق التعديل فإن الفرصة قد سنحت للتخلص من هذا الغموض أو هذه العيوب كيفما كانت ولتستبدل بالمادتين الحاليتين مادة واضحة تفصح لنا عن إرادة المشرع وتحدد مدى (التعلق) المشار إليه لأنا قد رأينا عند عرض رأي الأستاذين ليون كان ورينو أن بعض الدعاوى المتعلقة بالكمبيالات تبقى خاضعة للتقادم العادي ثم تخلصنا من هذه التعبيرات الواردة في المادة الأهلية مثل:
mandat de payment, assignation a vue.
والقضاء المصري جدير بالشكر لأنه قد ناب عن المشرع في رفع التناقض وتصحيح الصياغة وعلى المشرع الآن أن يستفيد من هذا المجهود ويكمله ويضعه في شكله التشريعي الرسمي.
عبده حسن الزيات
المحامي
[(1)] La pre************************ion de cinq and s’applique seulement aux lettres de change et aux effets de commerc; tellc n’est pas une obligation avcc échéances éche lonnées.
[(2)] Une facture reconnue par un commercant mais non transmissiblc par voie d’endossement ne constitue alors même qu’
elle fixe la date du paiement, qu’une obligation commerciale â laquelle la pre************************ion quinquennale établie par l’article n’est pas applicable.,,
[(3)] L’art 201 n’est pas appllicable à un billet don’t l’échéance est échelonneé puisqu’il ne peut pas étre considéré comme un billet â ordre régulier.,,
[(4)] Les effets de commerce irréguliers et comme tels réputés simples promesses demeurent s’ils sont crées entre commercants ou pour faits de commerce soumis â la pre************************ion de cinq ans.,,
[(5)] هذا الحكم لم يُنشر حتى الآن.
[(6)] D’une manière générale la pre************************ion est en matière civile comme en matière commerciale, de 15 ans.
مجلة المحاماة - العدد الأول
السنة التاسعة عشرة - 1938 - 1939
بحث في تفسير الأوراق التجارية الخاضعة للتقادم الخمسي
1 - يشمل الفصل الثامن من الباب الثاني من القانون التجاري الأهلي مادة واحدة هي المادة (194) التي تنص على أن:
(كل دعوى متعلقة بالكمبيالات أو بالسندات التي تحت إذن وتعتبر عملاً تجاريًا أو بالسندات التي لحاملها أو بالأوراق المتضمنة أمرًا بالدفع أو بالحوالات الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع عليها وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية يسقط الحق في إقامتها بمضي خمس سنين اعتبارًا من اليوم التالي ليوم حلول ميعاد الدفع أو من يوم عمل البروتستو أو من يوم آخر مرافعة بالمحكمة إن لم يكن صدر حكم أو لم يحصل اعتراف بالدين بسند منفرد، وإنما على المدعى عليهم تأييد براءة ذمتهم بحلفهم اليمين على أنه لم يكن في ذمتهم شيء من الدين إذا دعوا للحلف وعلى من يقوم مقامهم أو ورثتهم أن يحلفوا يمينًا على أنهم معتقدون حقيقة أنه لم يبقَ شيء مستحق من الدين).
2 - والنقطة التي أريد معالجتها في هذا البحث هي مدى الأوراق التجارية التي تخضع لهذا التقادم الخمسي، وبألفاظ أخرى نريد أن نعرف المراد بعبارة (الأوراق المحررة لأعمال تجارية)، وهل هذا المصطلح يتناول كل ورقة بالمعنى اللغوي أو هو يقف عند أوراق معينة لها خصائص قانونية لا تشاركها فيها سائر الأوراق التجارية بالمعنى اللغوي الواسع ؟ وتوضيحًا لنقطة البحث نسوق هذا المثال، فاتورة بضاعة اشتراها تاجر من تاجر للاتجار بها ومضى على آخر تاريخ مبين بها ست سنين، أقام الدائن دعوى على المدين مطالبة برصيد الفاتورة، ودفع المدين الدعوى بالتقادم الخمسي، هل يقبل دفعه أو يرفض ؟
سوف أحاول الإجابة عن هذا السؤال، أو علاج هذا الموضوع بالترتيب الآتي:
( أ ) رأي القضاء المختلط.
(ب) رأي القضاء الأهلي قبل محكمة النقض.
(ج) رأي القضاء الأهلي بعد محكمة النقض.
(د) موقف الفقه المصري.
(هـ) موقف القانون الفرنسي.
(ز) عيب المادتين المصريتين (194) و(201) ورأيي في تعديلهما.
( أ ) القضاء المختلط
إذا استعرضنا أحكام المحاكم المختلطة وجدنا أكثرها - أو إجماعها تقريبًا - على تضييق نطاق الورقة التجارية التي يسري عليها التقادم الخمسي وقصره على ما تنتقل ملكيته بالتظهير أو التسليم.
والتقادم الخمسي لا ينطبق إلا على الكمبيالات والأوراق التجارية التي لا يعتبر منها التزام استحقاقاته مقسطة [(1)].
(محكمة استئناف المختلطة - 14 - 11 - 1889 - مجموعة التشريع 1 - ص 321).
والفاتورة التي وقعها تاجر ولكن ملكيتها لا تنتقل بالتظهير؛ هذه الفاتورة لا تكون - حتى عندما يكون موعد الدفع معينًا بها - أكثر من التزام تجاري لا ينطبق عليه التقادم المبين في المادة (201) [(2)] (أي التقادم الخمسي).
(محكمة الاستئناف المختلطة - 16 يونيو 1920 - مجموعة التشريع 32 - صـ 356).
والمادة (201) لا تسري على سند تستحق قيمته على أقساط لأن مثل هذا السند لا يمكن اعتداده سندًا إذنيًا منظمًا (محكمة الاستئناف المختلطة في 6 ديسمبر 1927 - مجموعة التشريع س 40 - صـ 66). [(3)]
والسند الإذني المنظم الذي يحرره المفلس لدائنيه بعد وفاء لديونهم قبل الإفلاس لا يسقط إلا بمضي خمسة عشر عامًا.
(محكمة الاستئناف المختلطة في 22 مارس 1893 - مجموعة التشريع س 5 صـ 182).
ولكني وقفت على حكمين قديمين ذهبا إلى عكس الرأي الذي أطردت به الأحكام المتقدمة.
فالحكم الأول يقرر أن (التقادم الخمسي ينطبق على كل ورقة تجارية مهما يكن شكلها وليس مقصورًا على الكمبيالات والسندات الإذنية).
(محكمة الاستئناف في 23 - 1 - 1890 - مجموعة التشريع س 2 صـ 228).
على أنا نلاحظ أن هذا الحكم قد عبر عن الورقة التجارية بتعبير Effets de commerce ، ومن هنا يمكن اعتبار هذا الحكم متفقًا مع الرأي الغالب.
أما الحكم الثاني فقد عرض للأوراق التجارية غير المنظمة Effect de commerce irréguliers وقال إنها خاضعة للتقادم الخمسي (22 نوفمبر 1916 - مجموعة التشريع س 29 صـ60). [(4)]
وهذا الحكم أيضًا - ولو أنه يعارض الأحكام التي أخرجت السندات غير المنظمة كالمقسطة الاستحقاق من التقادم الخمسي - وقف عند (الورقة التجارية) بالمعنى القانوني الضيق لا المعنى اللغوي الواسع والفاتورة التجارية مثلاً ليست effet de commerce ابتداءً حتى يمكن اعتبارها effet de commerce irrégulier، ونتيجة ذلك أنها تظل خاضعة للتقادم الطويل - أي تقادم الخمسة عشر عامًا - حتى في رأي هذا الحكم الأخير.
(ب) القضاء الأهلي قبل النقض
ذهبت جميع الأحكام الأهلية المنشورة التي اطلعت عليها إلى قصر التقادم الخمسي على الكمبيالات والسندات الإذنية والشيكات لأن هذه هي المرادة بتعبير الورقة التجارية effet de commerce فالأحكام الجزئية ترى (أن الأوراق التي تسقط بمضي خمس سنوات هي الأوراق التجارية التي تنتقل ملكيتها بالتحويل وهي الكمبيالات والسندات تحت الإذن والشيكات وأما ما سواها فلا تنطبق عليه هذه المادة (194 ت) دمياط في 10 مارس سنة 1932 المحاماة س 13 صـ 339.
وكذلك طنطا في 8 يناير سنة 1930 (ملحق مرجع القضاء صـ 1441 ن 5575)، والموسكي في 29 مايو سنة 1938.[(5)]
والأحكام الكلية تذهب إلى عين الرأي (بني سويف - استئناف جزئي 25 يونيو سنة 1928 (ملحق مرجع القضاء صـ 1441 ن 5580).
ومحكمة استئناف القاهرة العليا تعرض لهذا الأمر عرضًا مفصلاً وتقرر أن: (الأوراق التجارية المعبرة عنها بالاصطلاح الفرنسي effets de commerce، والتي يسقط الحق في رفع الدعوى بها بمضي خمس سنين من اليوم التالي ليوم حلول دفعها هي الأوراق التي يتداولها التجار فيما بينهم كما يتداولون أوراق النقد وتقوم مقام الدفع النقدي في المعاملات التجارية فلا يدخل فيها كل ورقة تجارية أخرى تثبت دينًا لتاجر على تاجر كالفواتير التي يشتري بها التاجر بضاعة من زميله التاجر). (المحاماة س 14 صـ692).
(ج) النقض الأهلي
وقد سنحت لمحكمة النقض والإبرام فرصة الفصل في هذه النقطة عندما طعن أمامها في حكم محكمة الاستئناف المشار إليه في الفقرة السابقة وجاء رأي النقض مؤيدًا لرأي الاستئناف ولرأي القضاء الأهلي عامة وإليكم بعض أسباب حكم النقض:
(ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد نص المادة (194) من قانون التجارة وتساءل عن المراد من قول الشارع فيها (والأوراق المحررة لأعمال تجارية)، ورجع إلى ترجمة هذه العبارة في الطبعة الفرنسية للقانون التجاري وإلى أصلها في القانون المختلط والقانون الفرنسي، أجاب بأن المراد بهذه العبارة الأوراق التي يتداولها التجار فيما بينهم تداول أوراق النقد خلفًا عن الدفع النقدي في معاملاتهم التجارية واعتبر المعنى الجامع فيها أنها تتضمن دفع مبلغ معين من النقود في أجل معين ويمكن نقل ملكيتها من إنسان لآخر بتظهيرها أو بمجرد تسليمها بغير حاجة إلى إجراء آخر يعطل تداولها أو يجعله متعذرًا ولذلك منع الأوراق التي لا تنتقل الحقوق الثابتة بها بمجرد التظهير والسندات التي يكون الدين الثابت بها مقسطًا والسندات التي تتصل بأمور أخرى بعيدة عن مجرد ثبوت الدين بذمة المدين وميعاد دفعه كتعليق حلول أجل السداد على أمر خارجي غير مضي ميعاد الاستحقاق وكالتزام المدين بأداء عمل معين لشخص دائنه مع تعهده بسداد الدين - منع هذه الأوراق من أن تعتبر من (الأوراق المحررة لأعمال تجارية).
(وحيث إن الحكم المطعون فيه فيما أخذ به من تفسير المادة (194)، وفيما أجراه من عدم الأخذ بحكمها في موضوع الدعوى لم يُخالف القانون ولم يخطئ في تطبيقه).
(20 ديسمبر سنة 1934 - المحاماة س 15 صـ 183).
(د) الفقه المصري
لم يعرض الفقه المصري، فيما أعلم، لهذه النقطة وغاية ما وقفت عليه أن مؤلف كتاب التقادم في القانون المدني قد أشار إلى بعض الأحكام الأهلية الجزئية التي أشرنا إليها دون أن يعقب عليها باعتراض أو تحبيذ أو يذكر أن حول هذا الموضوع خلافًا.
كذلك راجعت المؤلف الجديد الذي وضعه بالفرنسية الدكتور محمد كامل أمين ملش بالاشتراك مع العالم الفرنسي (فاهل) عن (القانون التجاري المصري المختلط والأهلي علمًا وعملاً) فوجدت أن المؤلفين قد أجملا تصوير موقف القانون المصري من مدة التقادم التجاري بقولهما:
(إن مدة التقادم هي - بوجه عام - خمسة عشر عامًا سواء من القانون التجاري أو المدني)
(صـ 137 فقرة 229 - من المرجع المشار إليه).[(6)]
ولو كانت كل ورقة تجارية - بالمعنى الواسع الذي ينتظم الفاتورة والدفتر والخطاب إلخ - يسقط بخمس سنين لكان الأستاذان مخطئين خطأ كبيرًا في قولهما إن مدة التقادم في مصر هي خمسة عشر عامًا في القانونين التجاري والمدني، ولكان واجبًا أن يقولا (إن مدة التقادم في المدني هي بوجه عام 15 سنة ولكنها في التجاري خمس سنين بوجه عام).
(هـ) الفقه الفرنسي
ومع أن مدة التقادم العادي في فرنسا ثلاثون عامًا لا خمسة عشر فقط، ومع أنه لا نزاع في أن دعاوى الكمبيالات تسقط بالتقادم القصير في مصر وفرنسا، فإنا نرى الأستاذين ليون كان، ورينو يفسران مادة السقوط القصير تفسيرًا ضيقًا حتى ليقرران صراحةً أن بعض الدعاوى المتعلقة بالكمبيالات لا تسقط بالتقادم القصير وإنما تسقط بثلاثين عامًا وضربا مثلاً لذلك دعوى حامل الكمبيالة ضد البنك الذي حولها إليه - أي إلى البنك - لتحصيلها ودعوى من أقرض المسحوب عليه قيمة الكمبيالة لسدادها التي يرفعها استيفاءً لهذا القرض ضد المسحوب عليه.
أما تفسير (الورقة التجارية) أي معالجة هذا الموضوع الذي نعرض له فلم يتناوله الأستاذان.
(ز) صياغة المادة (194)
اكتب هذا البحث بعد تأليف هيئة لتعديل القانون التجاري، فمن الواجب أن أشير إلى ما في صياغة المادة (194 ت. أ) من عيب فإن قولها: (كل دعوى متعلقة بالكمبيالات أو بالسندات التي تحت إذن وتعتبر عملاً تجاريًا أو بالسندات التي لحاملها أو بالأوراق المتضمنة أمرًا بالدفع أو بالحوالات الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع عليها)، ثم إرداف ذلك بقولها: وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية) - من شأنه إحداث لبس بل من شأنه الإغراء بإجراء حكم المادة على أوراق أخرى مستعملة في الشؤون التجارية مثل الفاتورة وإلا فما معنى قول المشرع (وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية) بعد إذ أحصى الكمبيالات والسندات بنوعيها (إذنية ولحاملها) والشيكات ؟ وإذا كان من القواعد المنطقية أن إعمال الكلام خير من إهماله، فإلى أي نتيجة يؤدي بنا إعمال هذه الإضافة الأخيرة ؟
والأصل الفرنسي يشترك - لسوء الحظ - مع هذه الترجمة في هذا الخطأ أو الفضول المضلل ولكن المادة المختلطة المقابلة، وهي المادة (201) بريئة من هذا العيب ولكنها ليست خالية من عيب آخر فهي تقول:
(Toutes actions relatives aux lettres de change et aux effets de commerce souscrits par des négociants marchands ou banquiers, ou pour faits de commerce, se prescrivent par cinq ans).
فهذه المادة تذكر (الكمبيالات والأوراق التجارية الموقعة من تجار أو لأعمال تجارية) فهي لم تسقط سقطة المادة الأهلية ولكنها يؤخذ عليها نصها على الكمبيالات ثم ذكرها اصطلاحًا أعم وهو الأوراق التجارية وكان أولى بها أن تحصي الأوراق التجارية إحصاءً دقيقًا، أما موقفها الحالي فيمكن تفسيره بأنها ذكرت الكمبيالات ثم قصدت بالأوراق التجارية السندات والشيكات.
وما دام القانون التجاري، أو القانونان التجاريان، في طريق التعديل فإن الفرصة قد سنحت للتخلص من هذا الغموض أو هذه العيوب كيفما كانت ولتستبدل بالمادتين الحاليتين مادة واضحة تفصح لنا عن إرادة المشرع وتحدد مدى (التعلق) المشار إليه لأنا قد رأينا عند عرض رأي الأستاذين ليون كان ورينو أن بعض الدعاوى المتعلقة بالكمبيالات تبقى خاضعة للتقادم العادي ثم تخلصنا من هذه التعبيرات الواردة في المادة الأهلية مثل:
mandat de payment, assignation a vue.
والقضاء المصري جدير بالشكر لأنه قد ناب عن المشرع في رفع التناقض وتصحيح الصياغة وعلى المشرع الآن أن يستفيد من هذا المجهود ويكمله ويضعه في شكله التشريعي الرسمي.
عبده حسن الزيات
المحامي
[(1)] La pre************************ion de cinq and s’applique seulement aux lettres de change et aux effets de commerc; tellc n’est pas une obligation avcc échéances éche lonnées.
[(2)] Une facture reconnue par un commercant mais non transmissiblc par voie d’endossement ne constitue alors même qu’
elle fixe la date du paiement, qu’une obligation commerciale â laquelle la pre************************ion quinquennale établie par l’article n’est pas applicable.,,
[(3)] L’art 201 n’est pas appllicable à un billet don’t l’échéance est échelonneé puisqu’il ne peut pas étre considéré comme un billet â ordre régulier.,,
[(4)] Les effets de commerce irréguliers et comme tels réputés simples promesses demeurent s’ils sont crées entre commercants ou pour faits de commerce soumis â la pre************************ion de cinq ans.,,
[(5)] هذا الحكم لم يُنشر حتى الآن.
[(6)] D’une manière générale la pre************************ion est en matière civile comme en matière commerciale, de 15 ans.
No comments:
Post a Comment