Common search

Saturday, February 25, 2012

بشائر الفضل الإلهي في الموت"بشريات وافراح لقاء الله"

البشرى الحادية و الخمسون بشارات وصف الموت وحبِّ لقاء الله
هذه البشارة يا أحبابى من عيون البشائر التى بشَّر بها الحبيب أمته وقد أحببنا أن نأتى بها لأننا نعلم أن الموت هو الشغل الشاغل لعموم الناس فأردنا أن نزيح الهمَّ الجاثم على صدور الكثيرين نتيجة سوء فهم أو قصور علم لترتاح النفوس وتشتاق لملاقاة الملك القدوس ثمَّ بعدها نجول بكم معنا بفضل الله وإلهامات حبيبه ومصطفاه بين رياض البشائر النبوية وأزاهير التباشير القرآنية فيما يدور حول الموت وبعده من أفراح ومكرمات وتهانى وإتحافات ووالله ياإخوانى ليست هذه الكلمات تشبيهات وإنما هى حقائق جليَّاتٌ وآياتٌ بينات وهاهى البشارة العظيمة وبالله التوفيق وحصول السعادات قال الصادق المصدوق فى حديثه الشريف المنيف الموجز المعجز{الْمَوْتُ تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ}[1] أي الهدية الفريدة فالموت هو الباب الذى يدلف منه المؤمن عند مفارقة هذه الحياة إلى إكرامات الله وإنعاماته وأفضاله فالدنيا سجنه لا يزال منها فى عناء بمقاساة صروفها ورياضة شهواتها ومدافعة شيطانها! فالموت إطلاقه واستراحته ففى الأثر{ نعَم المَوْتُ رَاحَةُ المُؤمِنِ }[2] ولذا مدح الرجل العاقل الحصيف الموت ومحامده بقوله:
قَدْ قُلْتُ إذْ مَدَحُوا الحياة فأسْرَفُوا في الموْت ألفُ فَضيلَة لا تُعْرَفُ
منها أمانُ عذابه بِلقَائه وفِرَاقُ كلّ مُكَابَدٍ لا يُوصَفُ
وهذه الراحة والسعادة وتلك الهدية الفريدة إنما هى لأهل الإسلام ممن عاش مداوماً على الطاعة ولم يصر على المعاصي وتاب منها قبل موته وتجنَّب الكبائر الموجبة لسوء الخاتمة وإذا ما وقع فى إحداها أسرع إلى التوبة النصوح وردَّ الحقوق إلى أهلها ليكون جاهزاً لله فى كل وقت ولذا أخبر النبى عن بشرى الهناء عند موت المؤمن الجاهز للقاء فى كل وقت وآناء فهو ممن لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، فقال{مَوْتُ الْفَجْأَةِ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ}[3] وعند البيهقي عن أبي السكن البحتري قال مات خليل الله إبراهيم فجأة ومات داود فجأة ومات سليمان بن داود فجأة والصالحون وهو تخفيفٌ على المؤمن وتشديدٌ على الكافر ومن أمثال هؤلاء الصالحين المعاصرين الشيخ محمد على سلامة إذا كان يسير بين إثنين من أبنائه فى مكة يوم قبل الحج متوجها معهم إلى بعض الحجيج ليلقى عليهم درساً فى الحج وإذا به يتوقَّف عن السير ويضع يده على كتفيهما ويشهق شهة واحدة فاضت على أثرها روحه إلى بارئها وأهل اليقين الأعلى منهم من ماتوا قبل أن يموتوا وبشراهم تأتيهم وهم بين الناس أحياء يسعون وكم تعددت أشكال تلك البشريات، بل وكان رسول الله يسوقها لهم من وقت لآخر تعريفا بمكاناتهم وتشويقا لغيرهم لبلوغ منازلهم ومقاماتهم ومن تلك البشريات العالية ما اشتهر بين المسلمين بالعشرة المبشَّرين بالجنة وفى الحقيقة فإن رسول الله بشَّر عدداً أكثر من ذلك بكثير فكم ساق من البشريات العالية لأمثال هؤلاء وقد عجَّت كتبة السنة والسيرة بالكثير من هذه البشريات التى تبدو فى ظاهرها بشريات خاصة بهم ولكنها تحمل فى باطنها الكثير من البشريات لأهل الإيمان والإيقان لكل من اقتفى أثرهم أو سار على دربهم فكم أخبر عن أحد من أصحابه أنه ممن قضى نحبه وعن أحدهم أنه لا يضره ما صنع بعد اليوم وعن آخر أنه ميت يسير بين الأحياء وآخر قد رأى قصره فى الجنة يوم عرج به وآخر سمع وقع خفَّيه فى الجنة وآخر أخبر أن مناديله فى الجنة لألين من مناديل كسرى وآخر يبلغ ملكه فى الجنة كذا أو كذا وأخبر بعضاً من أسماء جيرانه فى الجنة ممن يعرفون من الصحابة وغيرها وغيرها من بشريات الفوز والفلاح بشريات وبشريات وبشريات ويا هناء وسعادة وفرحة من اقتفى أثرهم وسار على دربهم وفى نهاية تلك البشرى العظيمة فى وصف الموت أقول لكم ما قاله الإمام على لإخوانه يمدح الموت واللقاء بقوله الذى عرف باسم حسنة الموت:
جَزَى اللُه عَنّا المَوْتَ خيرا فإِنَّهُ أَبَرُّ بنا مِنْ كُلِّ شيءٍ وَأَرْأَفُ
يُعَجِّلُ تَخْلِيصَ النُّفُوسِ مِنَ الأذى وَيُدْنِي مِنَ الدَّارِ التي هِيَ أشرفُ
وقال السيد حسن حسنى الطويرانى:
إِذا علم الفَتى غصص الفراق فَلم يَفرح بلذات التلاقي
وَمَن يَدري الـهُبوط إلى تراب فلم يرجو الصعود إِلى المَراقي
لدهر قد أَذاقك فَقد قَوم لعمري لَيسَ يفنى وَأَنتَ باق
فَما شَربوه كَأساً ذاكَ كَأس ستسقاها فَأيّ الساقي ساق
لَقَد جبل الزَمان عَلى الرزايا كَما طبعت بنوه عَلى النفاق
فَعش فيهم كما شاؤا وَإِلا فَمت عَنهم فثمّ أَخا تلاقي
علام المَوت تكرهه وَفيه لقاء الأَقدمين من الرفاق
وفيم تحب أَن تحيى وَتَبقى وَلَست سِوى العَنا منها بلاقي
يَرى طَعم المَمات أَلذ شَيء فَتى ذاق القَضا مرّ المَذاق
وقال أحدهم فى تذكيره لإخوانه وأحبابه بالموت:
يا قلب فكر ترى الدنيا أباطيلا واقرأ أيا قلب قرآنا وتنزيلاً
خل الهوى وادَّكر فاللهو مفسدة أقبل على الله تعطى الخير موصولاً
الموت يا قلب إن حققت نازلة لم يبق حياًّ فخل القال والقيلا
والدار دار بلاء إن رضيت بها وكيف ترضى بدار البعد مأمولا ؟
دنياك دار فناءٍ لا بقاء لها أقبل على الله تعط الخير موصولاً
الموت عبرة من فازوا بسابقة من ربهم لم يروا زوراً وتأويلاً
فروا إلى الله من دنيا وآخرة لم يشهدوا عمرهم غيراً وتبديلاً
أحياهم الحب في شغل بخالقهم حتى به اتصلوا قرباً وتمثيلاً
البشرى الثانية و الخمسون بشارات حبِّ لقاء الله ومعاملة الله للمؤمنين فى آخر حياتهم
وأما من يحيا ويكون من أهل الإيمان الصادق فهو يهنأ بما يبقيه الله فى الدنيا فهى مزرعة للآخرة ولاتقلقهم الدنيا ولا تخيفهم لأنهم بالبلاء فى رفعة وارتقاء وبطول العيش فى سعادة بخدمة دين الله وهناء وكل يوم يمر عليهم فيها هم فى أعمال بٍرٍّ كلَّ حين وآن والموت بالنسبة لهم أنه قد آن الآوان لتسلم عطايا وهدايا الرحمن بلا عمل ولا مكابدة فهو عطاء يتلوه عطاء وفضل وإكرام بلا توقُّفٍ ولا إنتهاء والموت هو بوابة ذلك فالهدايا العظيمة التي تتري من الله للعبد المؤمن عند لقاء ربه تتوالى عليه فى لحظاته الأخيره فيتشوَّق ويفرح بلقاء الله ويزداد شوقه للقياه فيفرح الله بلقاءه ويصير هؤلاء من الذين بشرهم رسول الله بحديثه الشريف إذ قال{ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبَّ اللّهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللّهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ. فَقَالَ : لَيْسَ كَذَلِكَ. وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللّهِ وفى رواية- فليس شىٌ أحبَّ إليه مما أمامه - فَأَحَبَّ اللّهُ لِقَاءَهُ؛ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللّهِ وَسَخَطِهِ، وفى رواية- فليس شىٌ أكره إليه مما أمامه -كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ وَكَرِهَ اللّهُ لِقَاءَهُ}[4]ولذا لما بلغت البشرى بعض الصحابة على لسان من سمعوها من رسول الله ولم يتأكدوا من معناها لأن أحدنا لا يخلو من كراهية للموت إما لخوف الله أو رغبة فى إزدياد الخير لآخرته من دنياه فذهبوا إلى الأستاذة المرافقة لرسول الله فى كل وقت وحين والمعينَّة فى الجامعة النبوية للأمة المحمدية السيدة عائشة فسألوها قَالَ شُرَيْحٌ{ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤمِنِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثا إنْ كَانَ كَذٰلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ - قَالَ: وذكر الحديث وأضاف -: وَلكِنْ لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إلاَّ وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ؛ قَالَتْ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إلَيْهِ،وَلكِنْ إذَا طَمَحَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ وَانشَحرَّ الْجِلْدُ فَعِندَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ِ}[5] وروي عنها أيضاً في تفسيرها لتلك البشرى العظيمة لأهل الإيمان أنها قالت{ إذا أراد اللـه بعبد خيراً قيض لـه قبل موته بعام ملكاً فسدَّده ووفَّقه حتى يقول الناس: مات فلان خير ما كان فإذا أحضر ورأى ثوابه تهوَّعت نفسه؛ فذلك حين أحبَّ لقاء اللـه وأحبَّ اللـه لقاءه}[6]ولذا فمن البشريات العظيمة مما يجعل موت المؤمن سبباً لتوالى العطايا وهدايا الإنعام والإكرام أن يجهِّزه الله قبل موته ليتأهل لنيل ذلك، فمنها ما ورد عن النبى مثل{ إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: مَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: يَهْدِيهُ اللهُ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَى ذَلِكَ}[7]وأيضاً{إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً عَسَّلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قِيلَ: وَمَا عَسَّلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ}[8] وفى مسند أحمد{حتى يرضى عنه من حولـه} وللخرائطي{يحببه إلى جيرانه]وفى مسند الشاميين: { يفتح له عملا صالحا قبل موته فيبعثه عليه}هل رأيتم هل وسمعتم سيل البشريات بشريات لا حد لها ولا منتهى من أنواع الأعمال المرضية للرحمن ولعباد الرحمن من الأهل أو الجيران حتى إذا حضر لقاء الله لقيه مولاه بروح ورضوان وربٍّ عليه غير غضبان والبشريات لا تنتهى عند هذا الحدِّ والإمكان فربما كانت عليه ذنوب وآثام فلابد من غفرانها أو تكفيرها حتى لا يسأل عنها أو تكون فيها عقوبته عند لقاء الملك العلام ولذا وردت البشريات العظيمة التى يبشِّر بها رسول الله كل مسلم قبل الموت أن الله تعالى يطهِّره قبل موته من كل ما عليه من الذنوب والخطايا كيف؟إما بالمغفرة والعفو والصفح أو بعقوبة من إبتلاء أو شدة إن كانت تلزم لتذكيره فلا يعود لمثلها فيكفر عنه ما سلف ولا يرجع لها فتظل صفحته ناصعة ومن جملة ذلك الهمُّ والغمُّ والتعب والنصب والشوكة يشاكها والتشديد فى المعيشة وغيرها أو المرض قبل الموت أحياناً ففى هذه البشرى عن النبى{إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ الـخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِـي الدُّنْـيَا} [9]وروى الطبرانى فى سبب الحديث عن عمار بن ياسر قال{ مرَّت امرأة برجل، فأحدق بصره إلـيها، فمرّ بجدار فلطم وجهه فأتـى رسول الله وهو يسيـل دماً فقال: فعلتُ كذا فذكر الحديث وفى رواية أخرى قال له{ أَنْت عَبْدٌ أَرَادَ الله بِكَ خَيْراً}[10]
البشرى الثالثة و الخمسون بشارات وبشريات لحظات الموت
والمجموعة الثالثة من البشريات نتناول فيها أفراح اللحظات الأخيرة من هذه الحياة فإن بعضاً من الدعاة لم يفقهوا أحاديث النبى عن الموت فاختاروا أن يرعبوا الناس ويخوفونوهم من الموت ومعالجة سكراته ومكابدة أهواله كما يقولون وكل هذا يا أحبابى يتعارض مع كتاب الله فى حق أهل الإيمان لأن الله أفاض فى بيان حسن استقبال أحبابه ألم يبين المولى بذاته العلية ويبشر بذلك فقال{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}فأهل التقوى لهم الأمن والأمانة وليست الحسرة ولا الندامة من هم يارب؟ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }فبشراهم وبشرياتهم تبدأ من الحياة الدنيا وهذا يشمل آخر لحظاتهم وأوقاتهم قبل أن يفارقوا دنياهم ويصيروا عند مولاهم لهم البشرى وهم هنا فى الدنيا ويعبرون العتبة إلى البرزخ لهم السعادة والهناءة والسرور فيتشوقون إلى لقاء الملك الغفور وهؤلاء ياإخوانى هم من استقاموا على الطاعة وولم يفارقوا الجماعة ولم تكن لهم من غير الحلال لقمة ولا بضاعة حفظوا الجوارح والمنازل من كل شاهد بسوء عليهم فى هذه الساعة وعمروا الأفئدة بخشية مولاهم واستعدوا قبل أن ينادوا وطلبوه قبل أن يطلبهم ففيم يعذبهم أو يسىء إليهم؟هل رأيتم ملكا ينادى أناساً ليكرمهم فيأمر حراسه أن يجلدوهم بالسياط قبل أن يلبسوهم أوسمة التكريم ويعطونهم عطايا التشريف هذا لا يعقل ولا يقبل من أصغر الأمراء أو الملوك فكيف بملك الملوك سبحانه وإنما هو الله مولاهم يتولاهم ويواليهم ببشرياته وإتحافاته وإكراماته عند خروج أنفسهم وعند دخول قبورهم وعند سؤالهم فى قبورهم وعند خروجهم يوم البعث والنشور لأن هذا أمرٌ جلاه الله فى كلامه فشفى به الصدور ولا تبديل لكلماته ولذا قطع الله الطريق على كل من يشكك فمن ياإخوانى سيقبض روح المؤمن عند الموت؟{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ}تأتي إليهم ملائكة الرحمة وتتوفاهم طيبين سعداء مرتاحين ومطمأنين وإلا فما معنى طيبين أما الضرب والطرد فيكون لمن أتتهم ملائكة العذاب متوعدين ومكبلين فهؤلاء تذهب لهم فرقة من حراس النار لتقبض على الجبارين والمتكبرين والعصاة المصرين وأهل الكبائر والمجرمين المعاندين فيحق لهم الحزن والخوف لكن المؤمن ذهبت إليه فرق حرس الجنة وحاملو أوسمة ونياشين المنة وضباط التشريفات الربانيين ليستقبلوه ويشرفوه ويكرموه فمم يحزن؟ ومن أي شئ يخاف؟هم يقابلونه ويهنئونه بسلامة الوصول ويبشروه بأحسن مقعد وأجمل محل به ينزل فيقولون لهم كما أنبأ الله فى آيات كتابه المبشرات أحبابه بقولهم{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}فهل بعد تحية السلام والإكرام والإنعام أذى أو إتلاف وآلام وهل يقولون لهم امكثوا فى قبوركم فى التراب والظلام مع الحشرات والهوام لاوألف لا إنما{ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}بل ويعرفونهم أماكنهم ويرونهم بيوتهم ومساكنهم ألم يقل الله عنهم{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}ولذلك بشر الحبيب أصحابه وأتباعه عندما حضر شاباً وهو يجود بروحه فقال له يسأله ليبشر الأمة كلها من ورائه فى هذه الساعة لتكون بشرى إلى قيام الساعة{ دَخَلَ النَّبيَّ عَلَى شَابٍّ وَهُوُ في المَوْتِ فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قالَ: أَرْجُو اللّهَ يَا رَسُولَ اللّهِ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: لاَ يَجْتَمِعْانِ في قَلْبِ عَبْدٍ في مِثْلِ هذَا المَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللّهُ مَا يَرْجُو وَأَمَّنَهُ مِمَّا يَخَافُ}[11] وفى بشارة أخرى عن النبى لما حضر شاباً أنصارياً يحتضر فكلَّم فيه ملك الموت{ونَظَرَ النبيُّ إِلى مَلَكِ المَوْتِ عِنْدَ رَأْسِ رَجُلٍ مِنَ أَلانْصَارِ فقالَ: يا مَلَكَ المَوْتِ ارْفِقْ بصَاحِبِي فِانَّهُ مُؤْمِنٌ، فقالَ مَلَكُ المَوْتِ طِبْ نَفْساً وقَرَّ عَيْناً واعْلَمْ أَنِّي بِكُلِّ مُؤْمِنٍ رَفِيقٌ واعْلَمْ يا محمّدُ أَنِّى لأقْبِضُ رُوحَ ابنِ آدَمَ، فًّاذَا صَرَخَ صَارِخٌ مِنْ أَهْلِهِ قُمْتُ في الدَّارِ وَمَعِي رُوحُهُ فقلتُ: ما هَذا الصَّارِخُ؟ والله ما ظَلَمْنَاهُ ولا سَبَقْنَا أَجَلَهُ، ولا اسْتَعْجَلْنَا قَدَرَهُ، ومَا لَنا في قَبْضِهِ مِنْ ذَنْبٍ، فِانْ تَرْضَوا بِما صَنَعَ الله تُؤْجَرُوا وإِنْ تَحْزَنُوا وتَسْخَطُوا تٌّأثَمُوا وتُؤْزَرُوا مَا لَكُمْ عِنْدَنا مِنْهُ عُتْبى وإِنْ لَنا عِنْدَكُمْ بَعْدُ عَوْدَةٌ وعودة فالحذرَ الحذَرَ ومَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ ـ يا محمَّدُ ـ شَعَرٍ ولا مَدَرٍ بِرٍّ ولا فَاجِرٍ سَهْلٍ ولا جَبَلٍ إِلاَّ أَنَا أَتَصَفَّحُهُمْ في كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ حتَّى لأنَا أَعْرَفُ بِصَغِيرِهِمْ وكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بأنْفُسِهِمْ والله يا محمّدُ لَوْ أَرَدْتُ أَقْبِضُ رُوحَ بَعُوضَةٍ مَا قَدِرْتُ على ذَلِكَ حتَّى يَكُونَ الله هُوَ أَذِنَ بِقَبْضِهَا، قالَ جعفرُ بنُ محمدٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَصَفَّحُهُمْ عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ، فِاذَا نَظَرَ عِنْدَ المَوْتِ، فَمَنْ كَانَ يُحَافِظُ على الصَّلوَاتِ دَنا مِنْهُ المَلَكُ وطَرَدَ عَنْهُ الشَّيْطَانَ، ويُلَقِّنُهُ المَلَكَ: لا إِلهَ إِلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله وذَلِكَ الحَالُ العَظِيمُ}[12]هل رأيتم كلَّ تلك البشريات ياإخوانى هل سمعتم؟ملك الموت الموكل بقبض روحه هو من يقوم على خدمته هو من يعنى به فى ساعته ولحظته الله أكبر على البشرى يارسول الله صلى الله عليك ياسيدى يارسول الله يا حبيب الله يامن أخرجنا الله بفضلك ونعمتك من الظلمات إلى النور ملك الموت شفوقٌ وعطوف رفيقٌ وحنون بكلِّ مؤمن وإن كان الميت من المحافظين على الصلاة وهكذا كلُّ مسلم إن شاء فالملك يبعد عنه الشيطان بذاته وهى غيوب تحدث حولنا ونحن لا نراها بل ويذكِّرُه الشهادتين ويلقنهما روحه لتأنسا بهما قبل المغادرة وتثبت بهما حجته ويطمأن الملك أنَّ صاحبه على خير حال يرضاه الرحمن وتكونا الشهادتان آخر ما يفارق عليه الأكوان والجالسون حوله قد يكلموه أو يلقنوه فى ظنهم لينطق والناس لا تعى ولا تفهم فليست تللك لحظات التوبة ولا فيها للإيمان أوبة لمن فرَّط وانتهك فمن سبق سبق وجاءه الملك بالإذن فالتحق وليس البشرى هذا وفقط بل انظروا إلى إتساع الرحمة وشمول البشرى فإن الملك الموكل مأمور أيضاَ بمواساة أهل الميت ونصحهم فهم وإن لم يسمعوه ظاهراً ولكنه يبثُّ فيهم الرضى بقضاء الله وقدره إن وجد منهم جزعاً أو صراخاً ويعظهم قبل أن يغادر أن استعدوا ليومكم ليكون يوم سرور وهناء وسعادة بلا إنتهاء فمن استعد لقدومه بشَّره بأن الأمر معه لن يتعدى خلود أحدنا إلى نومه{ والَّذِي نَفْسٍى بِيَدِهِ لتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُون وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُون}[13] ففيم الخوف أو الهلع فلحظات مفارقة الحياة بالنسبة للمؤمن ليس فيها تعبٌ ولا نصب ولا ألم ولا وصب وإنما تخرج النفس وتضعها الملائكة فى الحريرة البيضاء الطيبة يطيبونها بالعطر الذى أحضروه معهم من الجنة فيزول عنها كل عناء عانته فى الدنيا بمرهم وعطر الجنة فتتضوع منها روائح طيبة ليس لها مثيل وتكون لأهل السموات على قدومها عليهم الدليل فيا للفرح والسرور مع الهناءة والحبور ونور من فوقه نور وأفراح وزينات وقصور وحور وكلها ليكون المسلم سعيدا وعند لقاء الله فى حبورورد أن الإمام الغزالى عندما حانت وفاته جلس بعض تلاميذه حوله يبكون وقيل أن الأبيات لشهاب الدين السهروردى لما قتل واجتمع حوله تلاميذه يبكون فقال لهم معلماً وكاشفاً الغطاء عن المعنى العلى:
قل لإخوانٍ يـرونى ميتا فبكونى إذ رأونى حزنا
لا تظنون بأنى ميت ليس ذا الميت والله أنــا
أنا عصفور وهذا قفصى طرت منه فتخلى رهنا
وَأَنا الَيوم أُناجي مَلأ وَأَرى اللَه عَياناً بهنا
فَاِخلَعوا الأَنفُس عَن أَجسادِها لِترونَ الحَق حَقاً بَينا
فارحموني ترحموا أنفسكم واعلموا أنكم في أثرنا
لاترعكم هجمة الـموت فما هو إلا نقلة من ها هنا
من رآني فليقوِّ نفسه إنما الدنيا على قرن الفنا
وعليكم من كلامي جملة فسلام اللّه مدح وثنا
[1]{وَالدرْهَمُ وَالدينَارُ رَبِيعُ الْمُنَافِقِ وَهُمَا زَادُهُ إِلَى النَّارِ} للدارقطني في السنن عن جابرٍجامع الأحاديث والمراسيل
[2] لباب الحديث وتنقيح القول الحثيث والنهاية فى غريب الحديث، وورد ذكره على أنه حديث ولكن لم يرد إسناده ولم أجد له تخريجاً
[3] رواه الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة مرفوعا بسند صحيح بلفظ وأخذة أسف للكافر وخرجه الزيلعي في سورة طه عن أنس وابن مسعود وعن عبيد بن عمير قال مات أخ لعائشة فجأة فقالت عائشة راحة للمؤمن وأخذة أسف على الكافر، كتاب كشف الخفاء.
[4] صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ وروايه قوله { فليس شىء} أخرجه مسلم وابن ماجه من حديث عائشة وابن المبارك من حديث أنس
[5]مسند الإمام أحمد عن أنس ومثله بدون { ثم يقبضه عليه} فى سنن النسائي الكبرى عن شريح عن أبى هريرة
[6]التذكرة في أحوال الموتى..
[7] المسند الجامع عن عمر الجمعى
[8] صحيح ابن حبان عن عمرو بن الحمق الخزاعى
[9] أخرجه أحمد، والترمذي، والـحاكم، والطبرانـي، والبـيهقـي فـي الشعب، عن عبد الله بن مغفل الأنصاري.
[10] قال الهيثمي: إسناده جيد وأخرج نـحوه ابن عدي فـي الكامل عن أبـي هريرة اسم الكتاب: البيان والتعريف
[11] رواه الترمذي عن أنس، وقال: حديث غريب وابن ماجه وابن أبي الدنيا كلهم من رواية جعفر عن ثابت عن أنس.
[12] عن الحارث بن الْخزرج عن أبيه رواه الطبرانى فى المعجم الكبير.






البشرى الرابعة والخمسون حديث الأنس والبشريات عند العودة إلى خالق النسمات
والبشارات لا تنتهى وكلما تناولنا منه بشارة واحدة قادتنا إلى عشرات ووالله لو جلسنا نتحدث فى أسرار بشارة واحدة مما أعد الله لأحبابه من أهل الإيمان لمكثنا أياماً وأيام لأن فضل الله ومنته فوق حدود الزمان والمكان وسنتناول هنا حديث البشارات الجامعة والمعروف بحديث البراء بن عازب إذ يروى البراء فى الحديث الشريف الجامع فيقول{خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ، قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلاَ يَمُرُّونَ، يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلاَمُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ:أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي}[1] والحديث مشروح يا إخوانى والبشارات فيه فوق الكم والعد والحصر ولكن الشرط الأول لنحظى بالبشارات أنه عبد مؤمن فى إنقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، وهذا ببساطة أنه عبد مؤمن قائم لله بما يحب ويرضى من القول والعمل فهو منقطع من الدنيا ولم يقل عن الدنيا فلو قال ذلك لكان إنقطاعاً كلياً وليس الأمر هكذا وإنما "من الدنيا" -ومن فى اللغة للتبعيض- أى فى إنقطاع عن بعض الدنيا أى عمَّا يبعده منها عن آخرته وهو فى إقبال من الآخرة وهذا التعبير أيضاً تعبيرٌ نبوىٌ معجز فهو ليس فى إقبال على الآخرة وإنما هو يعيش فى إقبال من الآخرة عليه الله أكبر أى يرى الآخرة دائما فى كل وقت وحال مقبلة علية آتية إليه وأقرب إليه فى كل وقت من الوقت الذى قبله فهو لا ينساها فيتعدى حدوده ولا ينغمس بالكلية فيها فيضيِّع واجباته التى استخلفه الله عليها فى الدنيا واسترعاه فيها فهو على النسق الشرعى الذى ارتضاه الله وبينه رسول الله بلا إفراط ولا تفريط أما بشائر هذا الحديث المبارك فهاكم إشارات إلى بعضها:
1-بشارة صفة الملائك الموكلين به: إنما هى فرقة من حرس التشريفات الربانية فى أجمل صورة وأبهى هيئة ومعهم الأكفان السماوية الجنانية والروائح الملكية البهية أفلا تشتاقون لرؤيتهم ياإخوانى
2-بشارة خروج الروح بالرحمة والحنان: وهذه بشارة فوق العقل بمكان فالملك ينادى الروح متحنناً ومتلطفاً فتخرج طائعة وتفارق جسدها مشتاقة إلى مغفرة الله ورضوانه هى التى تخرج ولا تنزع وإنما كقطرة الماء التى تسيل من السقاء بنعومة وليونة وسلاسة أفى ذلك ما يخيف أهناك شدة أو رعب أو تخويف هيهات هيهات إنما هى تحننات وإغراءات من الملك الموكل بخروجها بأمر ربها فيتحنَّن لها كما تتحنَّن الأم الحنون العطوف الشفوق لإبنها ليخرج لها ويأتى فى أحضانها ألا تشتاقون يا محبون
3-بشارة طابور العرض السماوى والتشريف: هل رأيتم استقبال الملوك عندما يزورون مكاناً فيصطف لهم حرس الشرف ووجهاء وأكابر المستقبلين للتحية والتكريم والمقابلة والتسليم: هذا بعينه يحدث للروح الكريم فيأخذونها من حضن الملك الذى دللها حتى خرجت ويلبسونها ثياب التشريف ويعطرونها بطور التكريم فيزول عنها كل ما لاقت فى دار التكليف وتستعيد كامل حضورها وتتضوع منها روائح أصلها، ثم يأخذونها فى طابور العرض الإلهى والتشريف الربانى من سماء إلى سماء فيرحبون به فى كل سماء بل ويعرفونهم به ثم يصطحبونه إلى منازل السماء التالية حتى يصلون به إلى السماء السابعة فتنتهى عندها طابور فرقة العرض والتعريف والتشريف
4-بشارة الأمان الربانى من الله: وعند نهاية طابور التشريفات يأمر ملك الملوك بأن يكتب كتابه فى عليين فيختم عليه بخاتم الأمان والتأميين.
5-بشارة سؤال الملكين للتأييد والتكريم: ثم يعود الملائكة بالروح للقبر ليسأل صاحبها فهل ترون يا إخوانى أن مثل هذا المؤمن يعانى عند سؤاله بعد كل ما كان من التشريف والتكريم وختم كتابه بختم عليين وإنما هو سؤال لإظهار شرف وكرامة أهل الإيمان الذين اختارهم الله لخلافته فى الأكوان لسرٍّ بينه وبين الرحمن فتأتى لحظة الإعلان التى يبيحون فيها للملائكة الكرام كيف حافظوا على سرِّ الإيمان الذى استودعه الله فى قلوبهم طوال الزمان وبه استحقوا علوَّ الكرامة والمكان عند الملك الديَّان وعندها لا تؤيد الملائكة على قوله وإنما ينزل التأييد له والتصديق من المليك الحنان.
6-بشارة نعيم القبر إلى قيام الساعة: ويختم الحديث ببشارتين الأولى أن ينقلوا له نعيم الجنة فى قبره فيتنعم بحسنها فيه ثم بشارة الأنس والودِّ إذ يتمثل له عمله الصالح ببشر يحادثه و يؤانسه فى قبره ويجالسه حتى تقوم الساعة التى يشتاق إلى ساعتها ويدعو الله أن يعجل بها ألا تشتاقون يا أحباب ولذلك قال الحكيم يدعو الله بالفضل العظيم من مقعد الصدق والأنس والبشائر عند لقائه :
عند موتي هب لي البشائر تترى واقبض الروح مسلمًا في شهود
واجعل القبر روضة من جنان منه أرقى لحظوة المعبود
في جمال في الأنس مقعد صدق عند ذي الفضل والغفور المريد
وصلاة على الحبيب وآل وعلى الصحب اعطني تأييدي
البشرى الخامسة والخمسون بشرى خاتمة الحسنى
وهنا البشرى التى نتذاكرها كثيرا ونقول اللهم اختم لنا بخاتمة الحسنى وكثيرا ما أوردها النبى فى دعائه وعلَّمها لأحبابه فأول أسباب السعادة وبشريات الهناءة والسرور هى خاتمة الحسنى التى يختم الله بها لإهل الإيمان قبل لقاء الرحمن وهى بشرى عظيمة وكريمة من أعظم البشريات وهى تسبق الموت فلا يأتى الموت إلا وقد تحققت وهى إن الله يختم للمؤمن على حال طيبة ويختم له بخاتمة الحسنى وهذه الدرجة التى كان يسأل الله فيها الأنبياء المعصومون مثل سيدنا يوسف الصديق{تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}فهذه أعظم بشرى للمؤمن أن يثبته الله عند خروج الروح{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}{لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللّهِ عَزَّ وَجَلَّ}[2] فيقيض له موتة طيبة فهناك من المؤمنين مثلاً من يخيّرهم الله كيف يموتون؟ فمنهم من يريد أن يموت ساجداً أو وهو يحجُّ أو وهو يقرأ القرآن فيميتهم الله كما أرادوا فأول بشرى تقدم من الله للعبد المؤمن التقى النقى عند موته أن يختار للمؤمن أن يموت على حالة طيبة أو فى أوقات صالحة طيبة فمن المؤمنين من يتوفاه الله عقب آداء الطاعات كمن يموت عقب صيام رمضان أو عقب آداء فريضة الحج او العمرة أو عقب عمل صالح قدمه وهؤلاء هنيئاً لهم هذه الموتة لأن الله يتوفاهم صالحين ويدخلون فى قول الله تعالى فى الكتاب عن الأولياء الأحباب{لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} ويقول الحكيم ذاكراً سابقة الحسنى وخاتمة الحسنى :
مولاي هذا رذاذ من مواجهة أسعد بسابقة الحسنى لسآل
توبي من التوب في التقريب بي أدلى للنسبتين بلا فصل وإيصال
لكنني أسأل التواب يغفر لي كل الذنوب وأحوالي وأعمالي
لم ينفعك اقترابي لم يضرك ما أحدثته من جهالات وإضلال
والفضل فضلك يا مولاي تعطيه لمن تشاء بلا قيد وأقوال
نزهت عن علة فيما تمن به والفضل والعدل وصفا المنعم الوالي
أرجوك خاتمة الحسنى وسابقة حسنى أمنحنها بإحسان وإقبال
والحمد والشكر مني لأني بهما جمل عبيدك من إحسانك العالي
البشرى السادسة والخمسون بشريات أصناف الشهداء فوق العد والإملاء
والبشرى العظيمة هنا من آية كلنا نسمعها ونعرفها وسنجعلها باب البشرى{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ}إذاً من آمن بالله فهو من الشهداء وهذا كلام الله ولذلك قال النبى{ أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش}[3] وهنا البشرى تكاد تملأ الأرض والسماء بأسماء وأصناف وأعداد من يحظون بنيلها من الشهداء السعداء وليس هذا من قبيل التخيل أو التمنى والرجاء ولكنه واقع حقيقى بنص كلام سيد الأمناء هى بشرى حق ناصع واضح لا مراء وهنا السؤال :كيف نحظى بتلك البشرى وننضم لذلك الركب من أهل الهناء؟والجواب يأتينا من عند الحبيب المحبوب قد جعل تقريباً كلَّ أمته يأخذون درجة الشهادة ولن يحرم الشهادة إلا قلة قليلة جداً احسبوا معي ولا تملوا من المتابعة وعندما تحسبون ستقولون فمن بالله عليك من أمة رسول الله لن ينل فضل الشهادة وعدَّد العلماء الأجلاء أصناف من يعتبرون أو يحسبون من الشهداء للذكر لا الحصر - علماً بأنه لا تجرى عليهم أحكام الشهداء فى الدنيا فهم يعاملون بالأحكام المعروفة للموت- فسوى قتيل الحرب والمعركة نذكر{ ولا يختص الشهيد ذلك بقتيل المعركة، ففي حديث الموطأ: «الشهداء سبعة سوى قتيل المعركة وعددها المطعون والغريق وصاحب ذات الجنب، أي وهو الميت، بقرحة ذات الجنب والمبطون، أي الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء» ، وقيل: صاحب الإسهال، وقيل: المجنون، وقيل: صاحب القولنج والحريق والميت تحت الهدم والمرأة تموت بجمع أي التي تموت بالولادة ألقت ولدها أو لا وصححه النووي، وقيل: هي البكر، وفي رواية: المرأة يجرها ولدها بسررها إلى الجنة ومن الشهداء صاحب السل، رواه أحمد والطبراني والغريب، وصاحب الحمى رواه الديلمي، ومن لدغته هامة أو افترسه سبع والشريق والخار عن دابته والمتردّي من رأس جبل، رواها الطبراني وغيره ومن قتل دون ماله أو دمه أو دينه أو أهله، رواه أصحاب السنن الأربعة. ومن قتل دون مظلمة، رواه أحمد والنسائي. والميت في حَبْس ظلماً، رواه ابن منده . ومن عشق فكتم فعف، رواه الخطيب الديلمي . والميت وهو طالب للعلم، رواه البزار . والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، رواه أبو داود . ومن مات مرابطاً، رواه ابن حبان . و من صبر في الطاعون وإن لم يمت به، وأمناء الله تعالى على خلقه قتلوا أو ماتوا رواه أحمد ومن قرأ حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ الثلاث آيات آخر سورة الحشر ومات في يومه أو حين يمسي ومات في ليلته، رواه الترمذي. ومن مات على وصية ، رواه ابن ماجه. ومن مات على وضوء ، رواه الآجري. ومن صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر في حضر ولا سفر، رواه أبو نعيم. ومن قال: اللهم إني أشهدك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب غيرك حين يصبح ومات في يومه أو يمسي ومات من ليلته، رواه الأصبهاني وغيره. ومن مات ليلة الجمعة أو يومها ، أخرجه جماعة وفي حديثه: أنه يوقى فتنة القبر ومن دعا في مرضه بأن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت الظالمين أربعين مرة ومات في مرضه ذلك، رواه الحاكم. وفي حديثه: وإن برىء برىء وقد غفر له جميع ذنوبه ، ومن مات عقب رمضان أو عمرة أو غزو أو حج نقله جمع عن الحسن. ومن سأل الله سبحانه وتعالى الشهادة بصدق، أخرجه مسلم، وورد بسند حسن كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد، ومن مات مريضاً، رواه ابن ماجه، وفي حديثه: ووقى فتنة القبر وغدى عليه وريح برزقه من الجنة ، وظاهره شمول جميع الأمراض وهو كذلك وهذه الخصال الزائدة على الأربعين ورد في كل منها أن صاحبها شهيد أي يعطى أجر الشهداء ومراتبها في ذلك متفاوتة كما دلت عليه الأحاديث، وللشهداء خصوصيات: منها: أنه يغفر له أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار ويزوّج اثنين وسبعين من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه، رواها الترمذي بسند صحيح غريب ومنها { أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }كما في القرآن وأن أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش رواه مسلم}[4] إذاً فما أكثر شهداء هذه الأمة الذين رحمهم الله بما ألهم به رسولها فى حديثه{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}وفى نهاية بيانى أسلط الضوء على رأس بشريات الشهادة من حديث الحبيب وإنا على يقين أننا سوف ننالها جميعا إن شاء الله بلا عناء لأننا أتباع سيد الأنبياء{كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد}[5]ولكن البشرى لا تنسينا الحذر لأنه جعل بشراه للمسلم، فلابد أن يلقى الله محافظا على الفرائض مبتعداً عن المعاصى! حتى يمنَّ الله عليه فيجعله فى مقام الشهداء.
[1] عن زاذان عن البراء بن عازب، المسند الجامع، أخرجه الإمام أحمد، وفى الحديث روايات عدة بتطويل وإختصار، وقد أوردنا بشارة المؤمنين عنا فللحديث كمالة فة تناول أهل الجحود والعصيان أعاذنا الله منهم فى كا زمان ومكان
[2] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الأَنْصَارِيِّ صحيح مسلم
[3] عن عبدالله بن مسعود المحدث: العراقي - المصدر: تخريج الإحياء
[4] بتصرف عن فتاوى ابن حجر الهيثمي وغيرها.
[5] وروى الحسن بن علي الحلواني في «المعرفة» بإسناد حسن من حديث على، فتح الباري شرح صحيح البخاري

No comments:

Post a Comment

.

Powered By Blogger

Search This Blog